قمة القاهرة- إعادة إعمار غزة وتحديات الإدارة والسلاح

في الرابع من مارس/آذار عام 2025، يجتمع القادة العرب في القاهرة، متحدين على نقطة محورية: إعادة بناء قطاع غزة المدمر، الذي أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنه منطقة منكوبة جراء وطأة آلة الحرب الإسرائيلية. يرون في هذا الجهد المدخل الأمثل لترسيخ أقدام أهل القطاع في أرضهم، وقطع الطريق على أي محاولة لتهجيرهم قسرًا. هذه الاستراتيجية تمثل الرد الصائب على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحويل القطاع إلى "ريفيرا" أميركية، وهو الطرح الذي قوبل برفض دولي واسع.
لكن هذه القمة الموسعة، التي تأتي في أعقاب قمة مصغرة احتضنتها الرياض، وجمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن، ستواجه معضلة متشعبة الأبعاد تتعلق بأمرين جوهريين هما: كيفية إدارة قطاع غزة بكفاءة، ومصير سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية بمختلف أطيافها. ومن المؤكد أن هذه المسائل لا يمكن تناولها بمعزل عن رؤية الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
فترامب، الذي يلوح باحتمال احتلال أميركا للقطاع، وإسرائيل، التي تهدد بمعاودة شن الحرب لتحقيق هدف استعصى عليها على مدار خمسة عشر شهرًا من القتال، ألا وهو استئصال (حماس)، سيكون من العسير عليهما تقبّل أي حل أو رد على خطة ترامب، دون معالجة هذين الأمرين بشكل مباشر. هذا يستلزم أن يتضمن "الرد العربي" تصورًا واضحًا ومفصلًا بشأنهما، يضع في الحسبان ضرورة ألا تنال إسرائيل بالتفاوض أو التسويات اللاحقة للمعركة ما عجزت عن بلوغه عبر السلاح.
حتى اللحظة، تتعامل فصائل المقاومة الفلسطينية بإيجابية مع المقترح المصري لإعادة إعمار قطاع غزة، ليكون مكانًا صالحًا للعيش، وفقًا لجدول زمني مدروس ومناسب، تمهيدًا لاعتماده في قمة القاهرة. بيد أنها تبدي حذرًا شديدًا إزاء أي مقاربة تستهدف نزع سلاح المقاومة، أو تدمير أنفاقها، التي تعتبرها بنية تحتية قتالية أساسية، أو وضع إدارة للقطاع تسعى، ولو تدريجيًا، نحو تحقيق هذا الهدف.
مصر تعهدت بتقديم رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة، بعد إزالة الأنقاض والركام، وتقديم خطط للتعافي المبكر، أو برامج تأهيل تساعد الفلسطينيين على الاستمرار في العيش بكرامة في أرضهم، باعتبار ذلك حقًا أصيلًا ومشروعًا لهم. إلا أن هذا التعهد يتطلب وجود موقف عربي راسخ وحاسم، لا يتماشى مع الرغبات الإسرائيلية المتعلقة بسلاح المقاومة وإدارة القطاع.
كل ما تم طرحه رسميًا وعلانية وبصراحة في هذا الشأن، يتمثل في تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي دعا فيه حماس إلى التنحي عن إدارة القطاع إن كان ذلك يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى حديث "مصادر" في القاهرة عن تشكيل لجنة فلسطينية لتولي زمام الحكم في قطاع غزة عقب تنحية حماس جانبًا، وجذب تعاون دولي في إعادة الإعمار، والضغط باتجاه حل الدولتين.
وبالرغم من التسريبات المتداولة هنا وهناك، لم يقدم أي من المسؤولين الرسميين في الدول الخمس، حتى الآن، ما يكشف عما إذا كان التواصل مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، قد حرص بشدة على استطلاع رأيها، أو وضعها في الصورة، أو الحصول على موافقة نهائية منها، بشأن ملفي الإدارة والسلاح من عدمه.
فبعيدًا عن المقاربة المتفق عليها بشأن الإعمار وتثبيت السكان، تظل قضية الإدارة والسلاح جوهر ما تعتبره مصر "تطورات خطرة للقضية الفلسطينية"، على حد تعبير وزارة الخارجية المصرية. هذه المسألة لا تغيب عن ذهن المقاومة الفلسطينية في غزة، التي تجد نفسها الآن أمام مفترق طرق صعب.
فإن رفضت المقترح العربي، فإنها ستفتح الباب واسعًا أمام عودة الحرب، أو مضي ترامب في تنفيذ تهديداته، ما يزيد من معاناة سكان غزة. وإن قبلته، فإن ذلك يعني أن إسرائيل ستحقق أحد أهدافها المحورية من مهاجمة قطاع غزة بأيدٍ عربية، وفي إطار عملية يمكن تسويقها للرأي العام العربي على أنها السبيل الوحيد لقطع الطريق على ترامب وإسرائيل في محاولات التهجير، وإبقاء أهل غزة صامدين في أرضهم.
تدرك (حماس) تمام الإدراك هذا المأزق، ولذا سارعت بالإعلان عن استعدادها للتخلي عن حكم غزة لصالح لجنة وطنية، لكنها تشدد على ضرورة أن يكون لها دور فاعل في اختيار أعضائها، وأنها لن تقبل بنشر أي قوات برية دون الحصول على موافقتها المسبقة.
وهي بذلك تسعى إلى ضمان ألا تشتمل أهداف إدارة القطاع على تقويض قوة غزة، من خلال نزع سلاح مقاومتها، أو تقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل حول إمكانات المقاومين المادية والمعنوية. كما أنها ترفض في الوقت ذاته حدوث أي صدام مع "قوة برية عربية أو دولية" تدخل إلى القطاع تحت ستار دفع إسرائيل إلى الانسحاب النهائي من قطاع غزة، واستعادة أمنه، أو حماية أفراد الشركات المكلفة بإعادة الإعمار هناك.
لا تفتقر يد الفصائل الفلسطينية هنا إلى أوراق قوة، يتعين على قمة القاهرة أخذها في الاعتبار، وهي أن المقاومة لم تنكسر، وأنها قادرة على مواصلة حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الجيش الإسرائيلي إذا عاد إلى اجتياح القطاع برًا.
ولا يزال في حوزتها أسرى إسرائيليون، وأن تل أبيب لا تلتزم، حتى الآن، بتنفيذ بنود اتفاق غزة بالكامل، وأن هناك رفضًا دوليًا قاطعًا لمحاولات التهجير الجماعي، لأنها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وأن تصور ترامب ما هو إلا ضرب من الخيال وأوهام غير قابلة للتطبيق، وأنه لا يفكر في احتلال القوات الأميركية للقطاع، لاسيما أنه يدرك أن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة، بسلاحها ومعلوماتها ودعمها السياسي، عن الحرب التي اشتعلت رحاها على مدار خمسة عشر شهرًا، وعجزت مع إسرائيل عن تحقيق الأهداف التي أعلنها بنيامين نتنياهو، وأن الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، لا يمكنها القبول بما يحقق هذه الأهداف بيد العرب، أو عبر السلطة الفلسطينية في رام الله.
لقد صرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن "بلاده منفتحة على مقترحات من الدول العربية بشأن غزة"، وهذا يعني بشكل عام أن واشنطن تدرك أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تنفيذ تصور ترامب بالقوة، وهي مسألة يجب أن يضعها الزعماء العرب في الاعتبار، حتى لا يسمحوا لإسرائيل بالحصول على ما لم تتمكن من تحقيقه في الحرب، من خلال الدبلوماسية.
من الضروري هنا ألا يكون "الحل العربي" على حساب المقاومة، ومن الأهمية بمكان أن ينفتح العرب، في هذا السياق، على مساندة دولية لمسعاهم، قد تتجسد في تنظيم مؤتمر دولي لإعمار غزة، تُدعى إليه دول العالم التي أعلنت رفضها لتصور ترامب، على أن يعقد هذا المؤتمر عقب قمة القاهرة مباشرة، بما يدعم الموقف العربي في مواجهة جموح الرئيس الأميركي وانحيازه الأعمى لإسرائيل.
ولعل حصول مصر على موافقة "من حيث المبدأ" لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بعد القمة المرتقبة، يمثل باكورة الطريق نحو هذا الإجراء الهام، فالقضية الفلسطينية، لا سيما في ضوء ما ترتب على "طوفان الأقصى"، قد تعزز حضورها كقضية دولية وإنسانية، وهناك أفراد ومجتمعات كثيرة في العالم تنحاز لحقوق الشعب الفلسطيني، ولن تسمح بتصفيتها أو تجاهلها.